06 - 05 - 2025

مؤشرات | سوريا وأمريكا وأوروبا وأين نحن العرب؟

مؤشرات | سوريا وأمريكا وأوروبا وأين نحن العرب؟

أغلبية الدول حددت أهدافها مع سوريا، واعتلى القمة صوت "البراجماتية" في الأيام الأخيرة، والكل بدأ يبحث عن مكان له في (سوريا ما بعد الأسد)، بل أصبح "الجولاني" أو أحمد الشرع، محط الاهتمام حتى من أعدائه ومن وضعوه على قوائم الإرهاب، ورصدهم لمن يصل إليه ملايين الدولارات.

ويوم الجمعة 20 ديسمبر 2024 بدأ أول وفد أمريكي رسمي زيارة إلى سوريا، يضم من بين أعضائه، "باربرا ليف"، مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى، وهي دبلوماسية أمريكية بارزة في شؤون الشرق الأوسط، و"روجر كارستينز" المبعوث الرئاسي لشؤون الرهائن، و"دانيال روبنستين"، المستشار الأمريكي الأحدث في الخارجية الأمريكية، وتحديدًا في قسم شؤون الشرق الأوسط، في المهمة الأول لوفد دبلوماسي أمريكي، للوقوف على ما يحدث في سوريا، بعد هروب بشار ونظامه إلى خارج البلاد.

ولأن واشنطن والتي تقع على بُعد آلاف الكيلومترات، تعرف مصلحتها جيدا، فالوفد الزائر لسوريا، ووفقا لتصريحات المتحدث باسم الخارجية الأمريكية، يلتقي الوفد كل ألوان الطيف السوري "سياسيا وشعبيا، ومن جماعات وخلايا وتكتلات، منها "هيئة تحرير الشام"، والتي سبق أن صنفتها واشنطن بأنها "منظمة إرهابية"، كما ستشمل اللقاءات منظمات من المجتمع المدني.

الهدف الأمريكي، وبعد مشاركتها على مدى 13 عاما في التمهيد لإسقاط نظام "الأسد"، هو تحديد مستقبل مصالح بلادهم، والوقوف على رؤية سوريا الجديدة بشأن مستقبل علاقة واشنطن مع دمشق، مع العمل على سيّل لعاب الحكام الجدد بشأن كيف ستساعد الولايات المتحدة، سوريا في ظل الحكم الجديد، وحتما الوقوف على مصالح "الكيان الصهيوني".

والتصريحات الرسمية التي تقولها الخارجية الأمريكية، تأخذ ستار احترام حقوق الأقليات والشمول في العلاقات والحقوق، وما يتضمنه الانتقال السياسي في سوريا من ضوابط، ولكن هناك مصالح أمريكية في ملف الوفد الدبلوماسي، منها البحث عن مواطنين أمريكيين في دمشق، بخلاف التعرف على أراء كل المجتمع السوري بشتى طوائفه بشأن مستقبل سوريا، هذا بخلاف قضايا أخرى تهم واشنطن وليس سوريا نفسها.

وتزامن مع ذلك قرار أمريكا بإلغاء رصدها مكافأة للقبض على أحمد الشرع "الجولاني"، باعتباره زعيم منظمة إرهابية، بعد تعهدات جديدة قدمها "الجولاني: للوفد الأمريكي برئاسة "باربرا ليف" مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى، بعدم وجود أي نشاط لجماعته وحلفائها ضد مصالح بلادها.

وحتما كانت هناك اتصالات أمريكية قبل هذا الوفد الرسمي، في وقت عملت فيه دول غربية عديدة على التواصل مع سوريا بعد "بشار"، وفتحت قنوات تواصل مع أطياف عديدة في دمشق بما في ذلك "هيئة تحرير الشام" والشرع (الجولاني) نفسه وهو ما جرى من الجانب الفرنسي والألماني، والبريطاني، للوقوف على مستقبل المرحلة المقبلة، بل وصل الأمر إلى الحديث عن إمكانية رفع تصنيف هيئة تحرير الشام وقيادتها من قائمة المنظمات الإرهابية، والحديث أيضا عما اعتبره الاتحاد الأوروبي أن من مصلحته نجاحَ سوريا في المرحلة الانتقالية، مع الحديث من جانب الإتحاد الأوروبي عن تخفيف العقوبات على دمشق، وإن كان هذا مرتبطا بخطوات ملموسة في بعض الملفات التي تهم الأطراف الغربية.

ولم يخف أحد اتصالاته مع طوائف سوريا ما بعد الأسد، فقظ التقى "آن سنو" الممثل الخاص للمملكة المتحدة في سوريا، وأحمد الشرع "محمد الجولاني"، في إطار حراك دبلوماسي غربي مع دمشق، وهو ما يعتبره البعض أول الخطوات نحو التعامل مع الحكومة السورية الجديدة، وفقا لما ذكرته وكالة "بي إيه ميديا"، البريطانية، وإن كان يتم هذا التواصل بحذر.

وسبق أن أعلن "ديفيد لامي"، وزير الخارجية البريطاني، إرسال وفد لإجراء محادثات مع السلطات السورية المؤقتة وعدد من منظمات المجتمع المدني، حيث أوضح أن لندن تؤكد التزامها بسوريا، وستدعم بلاده عملية سياسية انتقالية شاملة تقودها سوريا.

والحراك الأوروبي جاء من ألمانيا أيضا، حيث أرسلت وزارة الخارجية الألمانية دبلوماسيين إلى دمشق أجروا محادثات مع ممثلين بهيئة "تحرير الشام" لمناقشة عملية انتقالية في سوريا وحماية الأقليات، وللوقوف على آفاق وجود دبلوماسي في دمشق، مع مراقبة التصرفات على الأرض بشأن الفكر الإرهابي قولا وفعلا، رغم أن برلين ترى أن "مسؤولي سلطات سوريا يتصرفون بحكمة حتى الآن".

وفرنسا تحركت هي الأخرى، وقام وفد برئاسة " فرنسوا جيوم" المبعوث الخاص إلى سوريا بزيارة لدمشق، حيث أكد أن بلاده مستعدة للوقوف إلى جانب السوريين" خلال الفترة الانتقالية، وأنه أجرى اتصالات مع سلطات "الأمر الواقع" في دمشق، هذا وقد رفع المبعوث الفرنسي علم بلاده فوق السفارة الفرنسية في دمشق.

واعتبرت الدول الغربية أن الموقف من العناصر والمنظمات المصنفة بالإرهاب، لن تحول دون الاتصال الدبلوماسي معها طالما أنه سلطة "الواقع"، وهو يمكن تفسيره في تحليل تصريحات "أنتوني بلينكن: وزير الخارجية الأميركي بقوله: إن مسؤولين أميركيين أجروا محادثات مع الجماعة رغم تصنيفها من جانب وزارة الخارجية كمنظمة إرهابية أجنبية".

في وقت سعى فيه الشرع "الجولاني" لتقديم نقسه بصورة أكثر اعتدالاً، مع تعهد بحلّ الفصائل المسلّحة في البلاد، " وتهيئة المقاتلين للانضواء تحت وزارة الدفاع وسيخضع الجميع للقانون"، وبناء عقد اجتماعي بين الدولة وكل الطوائف، لضمان العدالة الاجتماعية، ولتبقى سوريا موحّدة، بعيدا عن أي محاصصة تؤدي إلى أي انفصال، مع مطالبته برفع العقوبات المفروضة على دمشق.

والتحركات جاءت أيضا من تركيا أقرب الجيران لسوريا لتصبح فاعلا قويا، في الدائرة السورية، ولن تخفي دعمها للسلطات الجديدة، وفتح سفارتها بل أعلنت أنقره استعدادها لتقديم مساعدة عسكرية في حال طلبت الحكومة السورية الجديدة ذلك.

وعلى المستوى الأممي زار "جير بيدرسن" المبعوث الخاص للأمم المتحدة لسوريا، دمشق حيث أكد خلال لقائه مع الشرع "الجولاني" "الحاجة إلى انتقال سياسي شامل وذي مصداقية"، حسب وصفه.

والكل يعلم ويرى الدور القذر من الكيان الصهيوني في سوريا من اللحظات الأولى للتغيرات التي جرت في سوريا، وربما قبل ذلك، والتي وصلت إلى حالة "غزو" للأرضي السورية، وصلت لمفهوم "الاحتلال"، مع تدمير ممتلكات الشعب السوري، مع بنى تحتية، خصوصا العسكرية، والمدنية أيضا، تحت عنوان "نحمي مصالحنا".

وأين نحن؟

سؤال مهم يطرح نفسه بقوة، وصحيح أن لكل دولة حساباتها، ومواقفها، خصوصا فيما يتعلق بالخلفيات "الإرهابية" لأشخاص، وفصائل من في قبضتهم الحكم حاليا في سوريا، ولا أنكر أن التخوفات هي مخاوف ومحاذير دول، ومخاوف من أفراد الشعوب.

والحذر هو سيد الموقف في الشارع العربي، والمصري منه بصفة خاصة، ولا شك أن التشابك بين الجماعات المتطرفة، والإرهابية لها خطوط تواصل مع جماعات "الحكم" في سوريا، لوجود تلاقي فكر مباشرة، وهذا ما يقلق الجميع.

ولكن من المهم أن نفرق بين تخوفاتنا من "الجولاني" وجماعاته، وهذا شرعي وواقع لا يمكن أن نخفيه وننكره، وبين الحراك الدبلوماسي مع "عناصر حكم الواقع"، لاستكشاف ما يجري، خصوصا أننا نرى في الجهة الأخرى أطراف غربية تريد أن تصبح كل خيوط اللعبة في يدها، وعلى راسها واشنطن ودول أوروبية "الإتحاد الأوروبي"، لتضع دول المنطقة، وما يمكن أن نسميه "دول الجزام والطوق السوري" في موقف المتفرج، في وقت يلعب فيه "الكيان الصهيوني" دور "الملك" في لعبة "شطرنج السياسة"، على الأرض السورية.

ربما تكون هناك تحركات لا نعلمها، ولكن يبقى أن تكون لدولنا "العربية" الدور الفاعل فيما يجري في سوريا، وأن تعرف الشعوب بذلك، حتى لا نكون مثل "الأطرش في الزفة"، وإن اختلفنا ونختلف مع من هم على الأرض في "الشام"، حاليا.
------------------------------
بقلم: محمود الحضري


مقالات اخرى للكاتب

مؤشرات | نتائج انتخابات الصحفيين وماذا جرى؟